مباراة مستقبل قابس و النادي الافريقي

البث المباشر في أسفل الصفحة

تقديم النادي الإفريقي :

النادي الإفريقي، أحد أعرق وأقدم الأندية الرياضية في تونس، تأسس رسميًا في 4 أكتوبر 1920 في العاصمة تونس، وتحديدًا في حي باب جديد، ليكون أول نادٍ تونسي يحمل اسمًا عربيًا خلال فترة الاستعمار الفرنسي، ما منحه منذ البداية رمزية وطنية كبيرة، وجعل منه أكثر من مجرد فريق كرة قدم، بل عنوانًا للنضال الثقافي والهوية الوطنية.

منذ تأسيسه، اختار النادي الإفريقي الألوان الحمراء والبيضاء لتكون رمزًا له، وهي ألوان تعبّر عن النقاء والنضال، وترسّخت في وجدان جماهيره العريضة التي لا تزال تردد شعارات الوفاء والاعتزاز بالانتماء لهذا الكيان. شعار الفريق يحمل نسرًا مُحلّقًا، كناية عن الكبرياء والعزيمة، وهو شعار يرافق النادي في مختلف الرياضات التي ينشط فيها، سواء في كرة القدم، أو كرة اليد، أو كرة السلة، أو غيرها.

في كرة القدم، يُعد النادي الإفريقي أحد قطبي العاصمة إلى جانب الترجي الرياضي التونسي، وهو منافسه التاريخي والغريم التقليدي في "دربي العاصمة"، الذي يُعتبر من أقوى مباريات الدربي في القارة الإفريقية، حيث يتابعه الملايين داخل تونس وخارجها. وقد فاز الإفريقي بعديد الألقاب المحلية، أبرزها بطولة الرابطة المحترفة الأولى التي تُوّج بها 13 مرة، أولها سنة 1947 وآخرها في موسم 2014-2015، بالإضافة إلى كأس تونس التي رفعها في أكثر من 13 مناسبة، والكأس الممتازة.

على المستوى القاري، يبقى موسم 1991 لحظة مجد خالدة في تاريخ الفريق، حين فاز النادي الإفريقي بلقب دوري أبطال إفريقيا بعد تغلبه على نادي الجيش الملكي المغربي في النهائي، ليصبح أول فريق تونسي يُتوّج باللقب الإفريقي الأغلى، ويُسجّل اسمه بحروف من ذهب في سجل الكرة الإفريقية. كما شارك الفريق في عدة مناسبات في كأس العالم للأندية وكأس السوبر الإفريقي وكأس الكونفدرالية.

لا يقتصر دور النادي الإفريقي على الجانب الرياضي فحسب، بل يمتد إلى الجانب الاجتماعي والثقافي، حيث يُعدّ الفريق مدرسة في الوطنية والانتماء، وقد أنجب على مرّ السنين نجومًا كبارًا في الرياضة، مثل الشاذلي العيّاري، حمادي العقربي، لطفي المحايصي، عادل السليمي، زبير بيا، وسيف الدين الجزيري، وغيرهم من الأسماء التي لمعت على الصعيدين المحلي والدولي.

جماهير النادي الإفريقي تُعتبر من الأوفى والأكثر شغفًا في إفريقيا والعالم العربي، فهي لا تتخلى عن فريقها مهما كانت النتائج، وتُسانده في السراء والضراء. وبرزت جماهير الإفريقي في أكثر من مناسبة، سواء من خلال اللوحات الفنية "التيفو"، أو المبادرات الاجتماعية، أو الحملات التضامنية لجمع التبرعات، خاصة في الفترات الصعبة التي مرّ بها النادي من حيث الديون والعقوبات الرياضية. وقد ساهمت هذه الحملات الشعبية في إنقاذ النادي في أكثر من مناسبة، وأثبتت أن الإفريقي ليس مجرد نادٍ، بل هو "شعب كامل" كما يُحب أن يُسميه عشاقه.

رغم الصعوبات المالية والإدارية التي مر بها الفريق في السنوات الأخيرة، فإن عزيمة الجماهير واللاعبين ظلت صامدة، والنية متجهة نحو إعادة بناء الفريق تدريجيًا على أسس ثابتة، تضمن له العودة إلى منصات التتويج محليًا وقاريًا. الإدارة الجديدة التي تم انتخابها مؤخرًا وعدت بأن تكون أكثر انفتاحًا وشفافية، وأكدت على ضرورة الاستثمار في التكوين وتطوير الشبان، للعودة إلى سالف الأمجاد.

يُدير النادي الإفريقي اليوم فرعًا كبيرًا في مختلف الرياضات، ويحتوي على فئات عمرية متعددة تُعنى بصقل المواهب، وقد شهد الفريق بروز عدد من النجوم في كرة اليد وكرة السلة، مثل وسام الحمامي، مكرم الميساوي، وعدد من العناصر الدولية الأخرى. وتُوّج الإفريقي بعديد البطولات الإفريقية والعربية في هذه الرياضات، ما جعله نادٍ متعدد الاختصاصات ومن أكثر الأندية تتويجًا على مستوى تونس.

الملعب الرئيسي للنادي هو ملعب رادس، الذي يتسع لأكثر من 60 ألف متفرج، ويستضيف أهم مباريات الفريق، وخاصة المواجهات الكبرى، أما التمارين فتُجرى غالبًا في الحديقة "أ"، وهو مركب تاريخي رمّمته الجماهير وأسهمت في تحسينه على مر السنين.

يُجسّد النادي الإفريقي معاني الفخر والانتماء، ويُمثل جزءًا كبيرًا من الذاكرة الوطنية التونسية، لا فقط في كرة القدم، بل في القيم التي غرسها في أجيال من الشباب. هو نادٍ علّم الوفاء رغم الخسارة، والحب رغم الأزمات، والانتماء رغم الغياب عن الألقاب. يظل النادي الإفريقي مدرسة لا تنضب، تتوارثها الأجيال، وتبقى قصته خالدة في قلوب عشاقه إلى الأبد.

هذا هو النادي الإفريقي، نادٍ تأسس على الشرف، وارتقى بالمجد، ولا يزال يحلم بالعودة إلى قمم الكرة الإفريقية والعربية، بإرادة رجاله ووفاء جماهيره.

تقديم البطولة التونسية :

البطولة التونسية لكرة القدم، المعروفة رسميًا باسم "الرابطة المحترفة الأولى"، تُعدّ من أعرق البطولات في القارة الإفريقية والعالم العربي، حيث تأسست منذ أكثر من 100 عام، وتحديدًا سنة 1907 خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، لتصبح لاحقًا، بعد الاستقلال، أحد أهم مكونات الهوية الرياضية التونسية. هذه البطولة التي واكبت تحولات كبرى في تاريخ البلاد، شكّلت على مر العقود فضاءً للتنافس الرياضي، والتعبير الجماهيري، والانتماء العميق للأندية العريقة، كما ساهمت في بروز نخبة من اللاعبين والمدربين الذين صنعوا مجد كرة القدم التونسية على المستويين القاري والدولي.

تتميز البطولة التونسية بتنوع أنديتها وثراء تاريخها، إذ تضم فرقًا ذات خلفيات ثقافية وجغرافية مختلفة، مثل الترجي الرياضي التونسي، النادي الإفريقي، النجم الرياضي الساحلي، النادي الرياضي الصفاقسي، الاتحاد المنستيري، والنادي البنزرتي، إلى جانب أندية الجنوب كالمستقبل الرياضي بقابس، نجم المتلوي، وأولمبيك مدنين. هذا التنوّع يُضفي على البطولة نكهة خاصة، حيث تُقام دربيات مشحونة ومواجهات حماسية تعبّر عن عمق المنافسة، وغالبًا ما تمتزج بالرياضة المحلية روح الجهة، ونبض الجماهير، والانتماء للهوية.

من الناحية الفنية، تُعدّ البطولة التونسية من أكثر البطولات العربية والإفريقية تنظيمًا رغم ما يعتريها من صعوبات. وقد شهدت عبر سنواتها تطورًا ملحوظًا على مستوى البنية التحتية، وخاصة بعد ثورة 2011، إذ شهدت الملاعب توسعات، وتمّ إدخال تقنيات جديدة مثل تقنية التحكيم بالفيديو (VAR)، وتطوير منظومة التراخيص والتسيير المالي للأندية. كما أصبحت الجامعة التونسية لكرة القدم أكثر حضورًا على المستوى الإفريقي، ولعبت دورًا مهمًا في تحديث التشريعات الرياضية، رغم الانتقادات المتكررة حول غياب الحوكمة الرشيدة في بعض المؤسسات الكروية.

البطولة التونسية عرفت سيطرة واضحة من بعض الأندية الكبرى، أبرزها الترجي الرياضي التونسي الذي يُعدّ الأكثر تتويجًا، حيث توج بالبطولة في مناسبات عديدة، وساهم في تمثيل تونس قارّيًا بأداء مميز في دوري أبطال إفريقيا. كذلك النجم الساحلي والنادي الصفاقسي برزا في فترات مختلفة وكانا منافسين شرسين، في حين يحظى النادي الإفريقي بشعبية كبيرة رغم الأزمات التي عرفها في السنوات الأخيرة، مما أثر على أدائه المحلي والقاري. تناوب هذه الأندية على منصات التتويج يعكس حجم التنافسية داخل البطولة، بالرغم من عدم التوازن في الإمكانيات المالية والبشرية بين الأندية الكبرى والصغرى.

الجانب الجماهيري يُعتبر عنصرًا جوهريًا في نجاح البطولة التونسية، حيث تمتلك الفرق التونسية جماهير غفيرة تُعرف بولائها وشغفها، وخصوصًا في مدن مثل تونس العاصمة، صفاقس، سوسة، وبنزرت. هذه الجماهير تصنع أجواءً استثنائية في الملاعب، ترفع شعارات، وتُبدع في التيفوهات، وتُتابع فرقها داخل البلاد وخارجها. إلا أن بعض المشاكل الأمنية التي شهدتها الملاعب في العقود الماضية، دفعت إلى فرض إجراءات صارمة مثل الحد من عدد الجماهير، أو إقامة مباريات دون حضور جمهور، ما أثر سلبًا على الحركية داخل البطولة، قبل أن يتم مؤخرا التفكير في العودة التدريجية إلى فتح الملاعب أمام الجماهير وفق شروط واضحة.

رغم كل هذه المكاسب، تواجه البطولة التونسية عدة تحديات جوهرية، أبرزها الأزمة المالية التي تعيشها معظم الأندية. فالعديد من الفرق تُعاني من ديون ثقيلة، وتأخّر في صرف أجور اللاعبين، إضافة إلى ضعف الموارد المستمرة. هذا الوضع يُجبر الفرق على بيع أبرز لاعبيها في سن مبكرة نحو الخارج، بحثًا عن موارد مالية، وهو ما ينعكس سلبًا على مستوى التنافس الفني داخل البطولة، ويُفرغها من نجومها. كما أن ضعف الاستثمار الخاص في المجال الرياضي وغياب الشركات الراعية الكبرى يزيد الوضع تعقيدًا.

من ناحية التكوين، تُعدّ تونس من البلدان الرائدة في إفريقيا في تكوين اللاعبين، حيث تُساهم الأكاديميات ومراكز التكوين التابعة للأندية الكبرى في صقل المواهب، لكن هذه المنظومة تحتاج إلى تطوير وهيكلة أكثر، حتى تُصبح قادرة على إنتاج جيل جديد من اللاعبين المؤهلين للمنافسة محليًا ودوليًا، وتمثيل المنتخب التونسي بأفضل وجه. هنا تبرز الحاجة إلى استراتيجية وطنية واضحة لدعم التكوين، وتشجيع الاستثمار في كرة القدم القاعدية، خاصة في الجهات الداخلية التي تعاني من التهميش.

التحكيم أيضًا يُعتبر من الملفات الحساسة داخل البطولة التونسية، حيث يُثار الجدل في كل موسم حول مستوى الحكام، وقراراتهم المؤثرة على نتائج المباريات. ورغم محاولات الجامعة لتطوير هذا المجال من خلال دورات تدريبية واستقدام تقنيات حديثة، إلا أن الانتقادات لا تزال حادة، وتُطالب بضرورة إصلاح جذري للمنظومة التحكيمية، لضمان عدالة المنافسة وتحقيق الشفافية.

أما الإعلام الرياضي في تونس، فقد لعب دورًا مهمًا في تغطية فعاليات البطولة، من خلال القنوات التلفزية والإذاعات والصحف، بل وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت في السنوات الأخيرة منبرًا واسعًا لنقاشات الجماهير وتحليلات الفنيين. ومع ذلك، يُسجّل البعض ملاحظات حول غياب الموضوعية في بعض التغطيات، والتأثير السلبي لبعض الحملات الإعلامية على سير البطولة، وضرورة الترفيع في المستوى المهني للصحافة الرياضية.

رغم كل التحديات، فإن البطولة التونسية ما تزال قادرة على التطور والنجاح، إذا تم تفعيل الإصلاحات الحقيقية والابتعاد عن التجاذبات السياسية والمصالح الضيقة. المطلوب هو تكاتف كل الأطراف: الجامعة، الأندية، الدولة، الإعلام، والجماهير، من أجل بناء بطولة قوية، نظيفة، ومليئة بالمواهب، تكون مصدر فخر لكل التونسيين، وتُعيد لكرة القدم التونسية مجدها القاري والدولي.

في الختام، تبقى البطولة التونسية مرآة لكرة القدم الوطنية، وتاريخها الحافل بالبطولات، والمواهب، والحكايات، شاهد على مكانتها في قلوب التونسيين. هي ليست فقط مباريات تُلعب كل أسبوع، بل هي شغف يومي، ذاكرة جماعية، ومجال لصياغة الحلم الكروي التونسي.




 

تابع موقعنا عبر خدمة جوجل نيوز للحصول على أخر الأخبار الرياضية أول بأول ...