مباراة النادي الإفريقي و إتحاد تطاوين

 

البث المباشر في أسفل الصفحة

تقديم النادي الإفريقي :

النادي الإفريقي هو أكثر من مجرد نادٍ رياضي، إنه كيان عريق متجذّر في الوجدان التونسي، وواحد من رموز الهوية الوطنية، تأسّس في الرابع من أكتوبر سنة 1920 في العاصمة تونس، وسط أجواء من التحديات السياسية والاجتماعية والرياضية التي كانت تسود آنذاك بسبب الاحتلال الفرنسي، فكان تأسيسه بمثابة عمل نضالي يتجاوز حدود الرياضة، حيث أصرّ المؤسسون على أن يكون الاسم ناطقًا بالعربية، والشعار يحمل اللونين الأحمر والأبيض رمزًا لتونس، مما جعله منذ نشأته صوتًا من أصوات المقاومة والتشبث بالانتماء الوطني، فكان أول نادٍ تونسي يُرفع فيه العلم الوطني في ملاعب الاستعمار، وأول نادٍ يستقبل جمهوره التونسي المسلم بحرية، وأول نادٍ يتبنّى سياسات رياضية متكاملة تجمع بين التدريب والمواطنة والتكوين الأخلاقي.

منذ نشأته، حمل النادي الإفريقي طابعًا مميزًا في طريقة تسييره، فكان نادٍ جماهيري بامتياز، حيث لم يُبنَ فقط على الأموال أو النتائج، بل على حبّ الجمهور، ذلك الحب الذي لم ينطفئ يومًا، مهما كانت الظروف، ومهما تغيرت الإدارات واللاعبون، فقد بقيت جماهير الإفريقي وفيّة، تصنع الفارق في المدرجات، تُغني، تُصفّق، تُبدع في "الدخلات"، وترفع الرايات التي تتحدث عن الانتماء والتاريخ والمقاومة. إن الحديث عن جمهور الإفريقي لا ينفصل عن الحديث عن هوية النادي، لأن هذا الجمهور ليس فقط مشجّعًا عاديًا، بل هو عنصر فعّال، يدافع، ينقد، يموّل، ويقف في الصفوف الأمامية دفاعًا عن النادي في كل معاركه، سواء داخل الملعب أو خارجه، ولطالما ضجّت شوارع العاصمة بتظاهرات جماهير الإفريقي، تطالب بالشفافية والكرامة، وتعلن الوفاء، رغم الهزائم والإحباطات، ما جعل من "جماهير الإفريقي" حالة استثنائية في المشهد الرياضي التونسي والإفريقي والعربي.

وقد مرّ النادي خلال تاريخه بمحطات متنوّعة، فاز، خسر، واجه أزمات مالية، غيّر إدارات، عانى من بعض الفترات العصيبة، ولكنّه دومًا كان يعود من بعيد، منتصرًا، شامخًا، بفضل روح المجموعة، والعمل الدؤوب، والغيرة الكبيرة على القميص. ولعلّ أبرز لحظة مجيدة في تاريخ النادي هي تتويجه بكأس إفريقيا للأندية البطلة عام 1991، حينما سجّل نفسه كأول نادٍ تونسي يُتوّج بهذا اللقب القارّي، بعد مشوار شجاع ومُشرّف، أثبت من خلاله أن لا شيء مستحيل أمام العزيمة والإصرار، وكان ذلك التتويج لحظة تاريخية بامتياز، احتفل بها التونسيون داخل البلاد وخارجها، لأنها لم تكن فقط انتصارًا رياضيًا، بل انتصارًا للهوية الوطنية، للفن الكروي، وللصبر الجماعي الذي لطالما ميّز محبي هذا النادي.

إن النادي الإفريقي ليس نادٍ مختص فقط في كرة القدم، بل هو جمعية متعددة الاختصاصات، تنشط في كرة اليد، كرة السلة، السباحة، المصارعة، الملاكمة، والعديد من الرياضات الأخرى، وقد عرف نجاحات كبيرة في أكثر من رياضة، منها كرة اليد التي تُوّج فيها بالعديد من الألقاب المحلية والإفريقية، بل أصبح مدرسة بحد ذاتها، تخرّج منها عديد الأسماء اللامعة التي مثّلت تونس دوليًا وشرّفت راية النادي في المحافل العالمية. كذلك في كرة السلة، لم يكن النادي غريبًا عن منصات التتويج، بل كان حاضنًا لكفاءات متميزة، كما كان دائمًا مثالًا في التكوين والصرامة والانضباط.

ولعلّ من أهم خصائص النادي الإفريقي كذلك، أنه دائمًا ما يضع التكوين في قلب استراتيجيته، فقد اهتم منذ عقود بتأسيس مدارس شبّان حقيقية، تُعنى بتطوير المواهب الصاعدة وتكوينها بدنيًا وتقنيًا وذهنيًا، وفقًا لمنهجية عمل احترافية تهدف إلى تقديم لاعبين قادرين على اللعب في المستوى العالي. ومن رحم هذه المدارس، برزت أسماء لامعة صنعت مجد النادي مثل فوزي الرويسي، شوقي بلحسن، خالد السويسي، زهير الذوادي، عادل السليمي، صابر خليفة، وغيرهم كثيرون ممن أصبحوا رموزًا محلية ودولية. كما لا يمكن أن ننسى المدربين والإداريين الذين مرّوا من هنا، وتركوا بصمتهم في صفحات النادي، البعض منهم كان مثالًا للالتزام والغيرة على القميص، والبعض الآخر كان ضحية للصراعات الداخلية والمشاكل المالية التي غالبًا ما كانت تؤثر على الاستقرار العام للفريق.

ورغم التحديات، يبقى النادي الإفريقي شامخًا، يتجاوز المحن، ويخلق من الأزمات فرصًا، بفضل رجالٍ ونساءٍ أحبوه حتى النخاع، دافعوا عنه، دعموه، وساندوه في كل الظروف. وفي زمن أصبحت فيه الرياضة تجارة ومصالح، ما زال الإفريقي يحافظ على تلك الرومانسية الرياضية القديمة، حيث الولاء أهم من المال، والانتماء أكبر من كل الألقاب. لا يمكن الحديث عن كرة القدم التونسية دون ذكر النادي الإفريقي، لأنه جزء لا يتجزأ من ذاكرتها وتاريخها وصراعاتها وفرحتها، ولأن القميص الأحمر والأبيض، حين يُرفع في أي ملعب، يثير مشاعر الخصوم قبل الأنصار، لأن خلفه قصة عمرها أكثر من مئة عام، مليئة بالمجد والدموع والأمل والإصرار.

اليوم، يقف النادي الإفريقي أمام تحديات جديدة، بين ضرورة الإصلاح المالي، وإعادة الهيكلة الإدارية، وتجديد الثقة في الجماهير، وبين طموحات العودة إلى التتويجات المحلية والقارية، ولكن الشيء المؤكد أن هذا النادي، طالما كان شامخًا، سيبقى كذلك، لأنه لا يُقاس فقط بعدد الألقاب، بل بقيمته الرمزية، بتاريخه، بجماهيره، وبذلك الرابط العاطفي العميق الذي يجمعه بكل من لبس قميصه أو ساند شعاره أو اكتفى فقط بمشاهدته من بعيد. إنه النادي الإفريقي، ذاكرة من ذهب، وواقع مستمر، ومستقبل يُرسم بأيدٍ لا تعرف اليأس.

تقديم إتحاد تطاوين :

نادي اتحاد تطاوين هو واحد من الأندية التونسية التي تجسّد روح التحدّي والكفاح، وهو ليس فقط مؤسسة رياضية في الجنوب التونسي، بل هو امتداد لنبض مدينة تطاوين العريقة التي تقع في أقصى الجنوب، حيث الصحراء تحتضن الحلم، والجبال تروي حكايات الصمود. تأسس الاتحاد الرياضي بتطاوين في سنة 1996، وهو بذلك يُعد ناديًا شابًا نسبيًا مقارنة بكبار الأندية في البلاد، ولكن روحه، طموحه، وإرادته جعلته يدخل قلوب الجماهير بسرعة، ويحتلّ مكانة محترمة في المشهد الرياضي التونسي رغم محدودية الموارد والبُعد الجغرافي عن مراكز القرار والتأثير في العاصمة.

منذ تأسيسه، رفع نادي اتحاد تطاوين شعار الاجتهاد والعمل من أجل إثبات الذات، فقد خاض رحلته بصبر ومثابرة في الأقسام السفلى، متنقلًا بين الرابطة الثانية والثالثة، قبل أن يعرف الانفجار الحقيقي خلال السنوات الأخيرة، حيث تمكّن من الصعود إلى الرابطة المحترفة الأولى في موسم 2017–2018، بعد مشوار رائع أذهل المتابعين وأعاد الأمل لمدن الجنوب بأن التحديات يمكن ترويضها بالإرادة والإيمان. وكان ذلك الصعود التاريخي لحظة لا تُنسى في ذاكرة أبناء تطاوين، إذ عمّت الاحتفالات المدينة، وارتفعت الأعلام الزرقاء والحمراء في كل الأحياء، لأن ما تحقق لم يكن فقط انتصارًا رياضيًا، بل انتصارًا لكرامة منطقة طالما عانت من التهميش.

ومنذ التحاقه بالرابطة المحترفة الأولى، أظهر الاتحاد شخصية قوية، رغم تواضع الإمكانيات، فقدّم مباريات محترمة ضد أعرق الأندية مثل الترجي، الإفريقي، النجم الساحلي، والصفاقسي، واستطاع في أكثر من مناسبة أن يفاجئ الجميع بنتائج إيجابية، بل وكان قريبًا أحيانًا من اللعب على مراكز متقدمة في الترتيب، ما جعله يُكسب احترام الخصوم قبل الأنصار. وقد اعتمد النادي في تكوين فريقه على مزيج ذكي بين شبّان الجهة الذين يتمتعون بروح قتالية عالية، ولاعبين من مختلف جهات البلاد وحتى من خارج تونس، مما خلق ديناميكية خاصة وروحًا جماعية متماسكة تُحسد عليها.

جمهور اتحاد تطاوين لا يقلّ شغفًا عن جماهير أكبر الفرق، بل يتميّز بحماس لا يُوصف، فهو جمهور متعطش للكرة، يعشق ناديه بإخلاص، يسانده في كل الظروف، يملأ مدرجات ملعب نجيب الخطاب الذي يُعد معقل الفريق وقلعة الفرح والأمل. هذا الجمهور يُرافق الفريق داخل وخارج الميدان، يُنشد الأغاني، يرفع الرايات، ويُبدع في التشجيع، رغم مشاقّ السفر وبعد المسافات. إن جماهير الاتحاد تُجسّد روح الجنوب الثائر، المتمسك بهويته، الساعي إلى أن يكون حاضرًا في كل ساحات المنافسة، ليس فقط في الرياضة، بل في تمثيل صوت المناطق الداخلية التي كثيرًا ما وُضعت في الهامش.

من الناحية الإدارية، عانى الفريق من فترات صعبة، خاصة على المستوى المالي، إذ أن دعم الشركات والرعاية التجارية ضعيف مقارنة بأندية العاصمة والساحل، ما جعل الإدارة تعتمد على موارد ذاتية ومجهودات أبناء الجهة والمحبّين الغيورين على النادي، وكذلك على الدعم المحدود من المجالس الجهوية، لكن رغم ذلك، نجحت الهيئة المديرة في المحافظة على التوازن، وتجنّب الأزمات الحادة، والعمل على ضمان الاستمرارية، وتوفير الحد الأدنى من الظروف الملائمة لفريق محترف في بطولة تتطلب الكثير من الاحترافية والانضباط.

ما يُميّز اتحاد تطاوين فعلًا هو مشروعه الرياضي الطموح، فالفريق لا يكتفي بالمنافسة على البقاء فقط، بل يسعى إلى التأسيس لنادٍ مستقر، متجذر في بيئته، يعتني بالفئات الشبانية، ويطمح في السنوات القادمة إلى بناء مركز تكوين قادر على تفريخ نجوم المستقبل من الجنوب الشرقي، تكون لهم القدرة ليس فقط على تمثيل الفريق الأول، بل الذهاب نحو الأندية الكبرى أو الاحتراف في الخارج، بما يضمن عائدات مالية واستمرارية في المشروع. كما بدأ النادي يستثمر تدريجيًا في تحسين البنية التحتية، رغم العراقيل، وذلك بإدخال تحسينات على ملعب نجيب الخطاب، والعمل على تأهيل الملاعب الجانبية ومراكز التدريب، في انتظار دعم أكثر جدية من السلط الجهوية والمركزية.

إن اتحاد تطاوين اليوم، بعد أكثر من عقدين من تأسيسه، لم يعد مجرد نادٍ صاعد، بل أصبح رقمًا صعبًا في البطولة التونسية، ووجهًا مشرفًا للرياضة في الجنوب، وصوتًا قويًا لمنطقة لطالما قدّمت للوطن الكثير من الرجال والكفاءات والطاقات الشابة. في كل مرة يدخل فيها اللاعبون أرضية الملعب، لا يلعبون فقط من أجل ثلاث نقاط، بل من أجل شرف المدينة، وكرامة الأهالي، وتاريخ الصحراء التي لا تنحني. الاتحاد هو الحلم المتجدد لأبناء تطاوين، هو الفخر المشترك، هو الاختصار الأجمل لعبارة: "نحن هنا رغم كل شيء".




تابع موقعنا عبر خدمة جوجل نيوز للحصول على أخر الأخبار الرياضية أول بأول ...